Friday 25 September 2015

من قال بافتتاح خطبتي العيد بالتكبيرات؟


قال العلامة الشرنبلالي في «مراقي الفلاح» (ص 199، وص 535 مع حاشية الطحطاوي): «ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تترى والثانية بسبع، قال عبد الله بن مسعود: هو السنة».

وقال في «إمداد الفتاح» (ص 546-547 ط. عرابي): «وقال في «البحر» عن «المجتبى»: يبدأ بالتحميد في خطبة الجمعة والاستسقاء والنكاح ويبدأ بالتكبيرات في خطبة العيدين، ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع، قال عبد الله بن مسعود: هو السنة».

كذا في الأصول، وغيّره المحقق بالنظر إلى ما في «البحر الرائق» (175/2) ففيه نقلاً عن «المجتبى»: «قال عبد الله بن عتبة بن مسعود: هو من السنة».

و«المجتبى» هو شرح لـ«مختصر القدوري» لأبي الرجاء نجم الدين مختار بن محمد بن محمود الزاهدي الغزميني، (ت 658هـ)، وهناك مخطوطة(1) منه برقم 469 يني جامع، المكتبة السليمانية بتركيا، اسطانبول، نسخت 23 رمضان 877هـ بيد أحمد بن عبد الغني بن عمر بن موسى بن محمد المازن الحنفي، وفيه (52/أ/): «قال عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: وهو من السنة».

ووقع في المصادر المسندة: عن عبيد الله (بالتصغير) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: «من السنة أن يكبّر الإمام على المنبر في العيدين تسعاً قبل الخطبة ...» رواه الشافعي في «الأم» (512/2 ط. رفعت فوزي)، وعبد الرزاق (290/3)، وابن أبي شيبة (252/4 ط. عوامة) والبيهقي (299/3) من طرق عنه وألفاظهم مختلفة.

فالذي يظهر لي أن صاحب «المجتبى» نقله لكن وقع عنده «عبد الله» مكبراً بدل «عبيد الله»، ثم ظنّه بعض من نقله تكراراً حيث جاء «عبد الله» مرتين، فحذف إحداهما وعلى هذا الوجه جاء في «البحر»، ثم سقط اسم «عتبة» في النقل من العلامة الشرنبلالي.

قال الإمام المحقق ابن عابدين في«شرح منظومته»: «وقد يتفق نقل قول في نحو عشرين كتاباً من كتب المتأخرين، ويكون القول خطأ، أخطأ به أول واضع له، فيأتي من بعده وينقله عنه، هكذا ينقل بعضهم عن بعض»، وبالله التوفيق.

______________________________________________
(1) أرسل الشيخ أبو محمد حسين كادوديا الإفريقي صورة المخطوط بواسطة الزميل أبرار كويا، فجزاهما الله خيراً.

Wednesday 23 September 2015

تكذيب وكيع لزياد بن عبد الله



وقع في أكثر النسخ من «جامع الترمذي» (1097 طبعة البابي الحلبي، طبعة د. بشار، طبعة المعارف، النسخة الهندية المعروفة بنسخة العرف الشذي، وغيرها):

حدثنا محمد بن موسى البصري قال: حدثنا زياد بن عبد الله قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به»، حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث زياد بن عبد الله، وزياد بن عبد الله كثير الغرائب والمناكير. وسمعت محمد بن إسماعيل يذكر، عن محمد بن عقبة قال: قال وكيع: «زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث».

وكذا وقع في نسخ متقنة، قال الحافظ مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (115/5) كذا ألفيته في نسخة جيدة.

فأشكل هذه العبارة على العلماء، حتى استدل بها المستشرق جولد تسيهر، قال في "Muslim Studies"  (الترجمة الإنجليزية) (55/1):

So far there have been repeated references to the tendentious fabrications of traditions during the first century of Islam and in the course of our further account we shall continue to meet this method of producing religious sources. It is a matter for the psychologists to find and analyse the motives of the soul which made such forgeries acceptable to pious minds as morally justified means of furthering a cause which was in their conviction a good one. The most favourable explanation which one can give of these phenomena is presumably to assume that the support of a new doctrine (which corresponded to the end in view) with the authority of Muhammad was the form in which it was thought good to express the high religious justification of that doctrine. The end sanctified the means. The pious Muslims made no secret of this. A reading of some of the sayings of the older critics of the tradition or of the spreaders of traditions themselves will easily show what was the prevailing opinion regarding the authenticity of sayings and teachings handed on from Pious men ... Waki´ says of Ziyād b. ´Abd Allāh that he lies in hadiths despite his nobility (ma´a sharafihi). This being so, smaller excesses in the isnād, obfuscations, had to be treated more leniently.

وسلك العلماء في تأويل أو رد هذه العبارة مسالك، قال الشيخ مصطفي السباعي في «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» (ص 259): أما ما نقله "جولد تسيهر" من قول وكيع عن زياد بن عبد الله البكّائي من أنه كان مع شرفه في الحديث كذوباً فهذه إحدى تحريفات هذا المستشرق الخبيث فأصل العبارة كما وردت في «التاريخ الكبير» للإمام البخاري (329/1/2): وقال ابن عقبة السدوسي عن وكيع: هو (أي زياد بن عبد الله) أشرف من أن يكذب، اهـ.

فأنت ترى أن وكيعاً ينفي عن زياد بن عبد الله الكذب مطلقاً لا في الحديث فحسب، وأنه أشرف من أن يكذب، فحرّفها المستشرق اليهودي إلى أنه كان –مع شرفه في الحديث– كذوباً وهكذا تكون أمانة هذا المستشرق، اهـ.

فلم يتعرض لما وقع في «الجامع»، بل كذّب المستشرق واتّهمه بالتحريف، وذهب بعضهم إلى أنه وهم من الإمام الترمذي في النقل، قال العلامة السهيلي في «الروض الأنف» في كلامه على رواة كتاب ابن إسحاق (40/1): خرّج عنه البخاري في كتاب الجهاد، وخرج عنه مسلم في مواضع من كتابه وحسبك بهذا تزكية وقد روى زياد عن حميد الطويل، وذكر البخاري في «التاريخ» عن وكيع قال: زياد أشرف من أن يكذب في الحديث، ووهم الترمذي.

وقال بعد نقل كلام الترمذي: وهذا وهم ولم يقل وكيع فيه إلا ما ذكره البخاري في «تاريخه» ولو رماه وكيع بالكذب ما خرّج البخاري عنه حديثا ولا مسلم كما لم يخرجا عن الحارث الأعور لما رماه الشعبي بالكذب، ولا عن أبان بن أبي عياش لما رماه شعبة بالكذب، اهـ.



وكذا وهّمه الحافظ الذهبي في «تاريخ الإسلام» (853/4 د. بشار).

وبعضهم حاولوا التأويل في العبارة وفسروها بما هو خلاف الظاهر، قال العلامة الكنكوهي في «الكوكب الدري»: (يكذب) من المجرد وهذا لغلبة نسيانه لا لتعمده الكذب وإلا لم يبق له شرف.



وقال أبو الطيب السندي في حاشيته: الظاهر أنه من الكذب، وضبطه بعضهم من التكذيب ويؤيده ما في «التقريب»، ثم نقل كلام ابن حجر الآتي وكلام السهيلي.

وأما الحافظ ابن حجر فردّ ما وقع في عامة نسخ «الترمذي»، قال في «تهذيب التهذيب» (3/375، و1/650 ط. الرسالة): ووقع في «جامع الترمذي» في النكاح عن البخاري عن محمد بن عقبة عن وكيع قال: زياد مع شرفه يكذب في الحديث، والذي في «تاريخ البخاري» عن ابن عقبة عن وكيع: زياد أشرف من أن يكذب في الحديث، وكذا ساقه الحاكم أبو أحمد في «الكنى» بإسناده إلى وكيع وهو الصواب ولعله سقط من رواية الترمذي «لا» وكان فيه: «مع شرفه لا يكذب في الحديث» فتتفق مع الروايات، والله أعلم، اهـ.



ثم في «التقريب»: ولم يثبت أن وكيعا كذبه، اهـ.



وفي «هُدى الساري» (1/404): قال وكيع هو مع شرفه لا يكذب، اهـ.

ويمكن أن يزاد أن العقيلي (5/80 ط. السرساوي) وابن عدي (5/69 ط. السرساوي مع التصويبات من الشاملة) روياه من طريق البخاري، وهو منقول في كتب التراجم على الصواب.

ثم اطلعت على هذه التغريدة لحساب المخطوطات الإسلامية، كتبها الشيخ خالد بن جمال الجزمي وعلى مشاركته في الملتقى:

وكذلك وقع على الصواب في طبعة المكنز الإسلامي (1120)، فلا حاجة لتخطئة الإمام الترمذي، ولله الحمد.

وإليك تعريف نسخة ليدن:

Tuesday 22 September 2015

الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا من المسلمين؟

قال الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في «خصائل النبوي شرح شمائل الترمذي» (ص 105 ط. المكتبة اليحيوية، سهارنپور، الهند ومكتبة الشيخ كراﭼي، پاكستان، وص 199 ط. مكتبة البشرى، كراﭼي، پاكستان) في شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في باب ما جاء في قول رسول الله ﷺ قبل الطعام وبعد ما يفرغ منه، كان رسول الله ﷺ إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين:


(مسلمين) هكذا في جميع النسخ الموجودة من الهندية والمصرية، وفي بعض الحواشي بطريق النسخة: "من المسلمين".

قال الجامع: هذه الزيادة لم توجد في نسخ من الشمائل إلا ما سيأتي بيانه، وقد أخرج هذا الحديث أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والبخاري في «التاريخ»، وأبو داود، والترمذي في «الجامع»، والنسائي في «الكبرى»، ومن طريقه ابن السني، والطبراني في «الدعاء»، وأبو الشيخ في أخلاق النبي ﷺ والبغوي من طريق الترمذي، ولم توجد هذه الزيادة في شيء منها.

لكن ذكر الشيخ أبو عبد الله السيد بن أحمد حمودة في تحقيقه على الشمائل النبوية للإمام الترمذي، طبعة مكتبة العلوم والحكم، مصر ومكتبة عباد الرحمن، مصر، الطبعة الأولى، 1429هـ، (192:159) نسخة فيها هذه الزيادة، وهذه النسخة محفوظة بالمكتبة الأزهرية (833، 8403) وعدد أوراقها (104) وكتبت سنة 1232هـ بيد أحمد بن محمد كما وصفها المحقق. وسبب ذكر هذه أني سمعت من بعض المشايخ أن الشيخ الكاندهلوي نوّر الله مرقده أشار إلى وجود الزيادة في نسخة بدون ذكر المكان ولا التفاصيل فلا يعتبر به، نعم لا يعتمد على هذه النسخة لحدوثها ولوجود نسخ أخرى أقدم منها خالية من هذه الزيادة، ولكن لا ينفى وجوده تماماً.

وليُعلم أنه قدّس سرّه وزملائه كانوا ينسخون بعض الكتب من مكتبات المدينة المنورة بإرشاد شيخهم خليل أحمد السهارنپوري، مؤلف «بذل المجهود»، أثناء أسفارهم للحج، ومما نسخوا أجزاء من «سنن البيهقي الكبرى» و«مصنف ابن أبي شيبة»، وغيرهما، وهي موجودة في مكتبة مظاهر علوم سهارنبور القديمة، فيمكن أن يكون الشيخ الكاندهلوي رآه هناك، والله أعلم.

Monday 21 September 2015

إبهام الإمام البخاري لابن لهيعة في الصحيح والأدب


قال الإمام البخاري في «الأدب المفرد» (866):
حدثنا سعيد بن تليد قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني جابر بن إسماعيل، وغيره، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: الشعر منه حسن ومنه قبيح، خذ بالحسن ودع القبيح، ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا، منها القصيدة فيها أربعون بيتا، ودون ذلك.
قال الشيخ أبو إسحاق الحويني في «تنبيه الهاجد» (1437:355/5): هذا إسناد صالح وجابر بن إسمـاعيل ذكره ابن حبان في «الثقات» وهذا الغير المقرون معه فـي الإسناد هو عندي ابن لـهيعة وروايته تقوي رواية جابر هذا، انتهى.
قال الجامع: جابر من رجال مسلم وروى أبو الشيخ هذا الأثر في «عواليه» (46:172/1)، قال: حدثنا أبو بكر بن معدان، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثنا عمي، حدثنا ابن لهيعة عن عقيل عنه به.
والإمام النسائي يفعل هذا كثيراً مع ابن لـهيعة في «سننه»، وفعله الإمام البخاري على رأي بعض الشراح في «صحيحه» كذلك، قال (4513-4515):
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر، وصاحب النبي ﷺ، فما يمنعك أن تخرج؟ فقال «يمنعني أن الله حرم دم أخي» فقالا: ألم يقل الله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، فقال: «قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغيـر الله»، وزاد عثمان بن صالح، عن ابن وهب، قال: أخبرني فلان، وحيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو المعافري، أن بكير بن عبد الله، حدثه عن نافع، أن رجلا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما، وتعتمر عاما وتتـرك الجهاد في سبيل الله عز وجل، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ قال: «يا ابن أخي بني الإسلام على خمس، إيمان بالله ورسوله، والصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت» قال يا أبا عبد الرحمن: ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، قاتلوهم حتى لا تكون فتنة، قال: «فعلنا علـى عهد رسول الله ﷺ وكان الإسلام قليلا، فكان الرجل يفتن في دينه: إما قتلوه، وإما يعذبونه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة». قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال: «أما عثمان فكأن الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه، وأما علي فابن عم رسول الله ﷺ، وختنه» وأشار بيده، فقال: «هذا بيته حيث ترون».
قال الكرمانـي: (فلان) قيل هو عبد الرحمن بن لهيعة، بفتح اللام وكسـر الهاء وبالـمهملة، قاضي مصر مات سنة أربع وسبعين ومائة، قال البيهقي: أجمعوا على ضعفه وترك الاحتجاج بما ينفرد به، اهـ.
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (16/60) بعد رواية هذا الحديث من طريق البخاري: وذكر ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة بن شـريح، عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن الأشج حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما جعلك على الحج عاما وتقيم عاما وتترد الجهاد في سبيل الله وقد علمت ما رغب الله فيه؟
قال ابن رجب في شرح العلل (1/139): وأما البخاري والنسائي فإذا ذكرا إسنادا فيه ابن لهيعة وغيره سميا ذلك الغير، وكنيا عن اسم ابن لهيعة ولم يسمياه.

Sunday 20 September 2015

ضبط البنوري




ذكر العلامة البنوري في «نفحة العنبر» (صـ 268) أنّ بَنُوْر على وزن صَبُوْر بالتخفيف، أو بالتشديد، وذكر أنه وجده هكذا في كتاب «شفاء العليل شـرح القول الجميل» للشاه ولي الله الدهلوي.

وقد ترجم الأستاذ خرّم علي الكتاب إلى اللغة الأردية وسماه «شفاء العليل» وهو من مطبوعات أيچ أيم سعيد كمپني، أدب منزل، پاكستان چوك، كراچي، وجاء في الطبعة الثانية 1389هـ، (صـ 174) منه:
فائدہ: سرہند شہر لاہور کے قریب اور بنور بروزن تنور قصبہ ہے سرہند کے توابع سے۔
ولكن الذي جاء في النسخ العربية للكتاب مثل مخطوطة معهد الثقافة والدراسات الشرقية بجامعة طوكيو، اليابان، (صـ 55)، ومطبوعة الدار الجودية، مصر، (صـ 177):
«فائدة: فالسرهند بلد قريبة اللاهور وكذلك البنور قصبة من توابع السرهند»، فلـم يضبطه، ولعل هذه الفائدة ليست من الشاه ولي الله نفسه، بل هي من الشيخ محمد صادق المدراسي الهندي، كما جاء مصرّحًا على وجه المخطوطة وكما ذكره محققوا المطبوعة.

ومما يؤيد ذلك أني لم أجد ضبطه في ترجمة الأستاذ محمد فاروق القادري، من مطبوعات تصوف فاؤنديشن، لاهور، 1420هـ لنفس الكتاب. وهناك مخطوطة بقلم المصنف موجودة في كاندهله عند الشيخ نور الحسن الكاندهلوي لكن لم أحصل عليها، وبالله التوفيق.

هل هذا الكلام للإمام أبي داود؟



قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى:



7 - باب كراهية الكلام عند الخلاء(1)

15 - حدَّثنا عبيد الله بن عمر بن مَيسَرة، حدَّثنا ابنُ مَهدي، حدَّثنا عِكرمةُ ابنُ عمَّار، عن يحيي بن أبي كثير، عن هِلال بن عِياض، قال: حدثني أبو سعيد، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «لا يَخرُجُ الرجلانِ يَضرِبانِ الغائِطَ كاشِفَينِ عن عَورَتهِما يتحدَّثانِ، فإن الله عزَّ وجل يَمقُتُ على ذلك».

قال أبو داود: لم يُسنده إلا عِكرمةُ بنُ عمَار، [وهو من حديث أهل المدينة.](2)

[حدثناه أبو سلمة، حدثنا أبان، حدثنا يحيى، بهذا، يعني موقوفاً.](3)

(هلال بن عياض) الأرجح في اسمه أنه عياض بن هلال، فيما ذكر البخاري (21/7)، وابن أبي حاتم (408/6)، وابن خزيمة في «صحيحه» (71)، والخطيب في «الموضح» (310/2). وقال محمد بن يحيى الذهلي («سنن ابن ماجه» (342)): الصواب عياض بن هلال، وقال ابن حبان في «الثقات» (265/2): من زعم أنه هلال بن عياض فقد وهم.

وقال ابن خزيمة في «صحيحه»: «أحسب الوهم فيه من عكرمة بن عمار حين قال: هلال بن عياض»، وقال المزي (573/22): وقيل: عياض بن عبد الله.

(حدثناه أبو سلمة) قال الشمس العظيم آبادي في «غاية المقصود»: «وفي بعض النسخ بعد قوله: «إلا عكرمة»، هذه العبارة: «حدثنا أبان ثنا يحيى بهذا، يعني حديث عكرمة بن عمار». ليس هذه العبارة للمؤلف أبي داود أصلاً، لأنّ أبا داود ذكر أنّه لم يسنده إلا عكرمة بن عمار، وهو ضعيف عند أبي داود، ولم يقف عليه أبو داود مسنداً من غير رواية عكرمة بن عمار، فأراد مُلحقُ هذه العبارة الاستدراكَ على أبي داود بأنّه قد أسنده عن يحيى بن أبي كثير أبانُ بن يزيد بن العطار، لكن لم أقف على نسبة هذه العبارة لأحد من الأئمة، قاله شييخنا العلامة حسين بن محسن الأنصاري اليماني في بعض تعليقاته على سنن أبي داود».

كذا نسب الشيخ حسين الأنصاري هذه الزيادة إلى غير الإمام أبي داود بناءً على قوله: «يعني حديث عكرمة بن عمار» التي جاء في نسخة كانت بين يديه، وفسّره بمعنى موصولاً، لكن جائت في نسخ أخرى بدله «يعني موقوفًا»، فيمكن إذاً أن يكون من كلام الإمام أبي داود، وكذا نسب المزي هذا الحديث إلى «سنن أبي داود» في «تحفة الأشراف» (19541)، وقال السيوطي في «مرقاة الصعود»: «وقد أخرجه البيهقي (100/1) (عن الحاكم (158/1)) من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن النبي ﷺ مرسلاً، قال أبو حاتم: وهذا هو الصحيح، وحديث عكرمة وهم».



وهناك تعليق ناقص للشيخ زكريا الكاندهلوي على النسخة الهندية من «بذل المجهود» ولعله كان يريد الإشارةإلى هذا، وأهمله د. تقي الدين الندوي وفريقه في النسخة الجديدة من الشرح.


وأما قوله عن عكرمة : «وهو ضعيف عند أبي داود» فقال الآجري في «سؤالاته» (264/1) («تهذيب الكمال» (261/20)): سألت أبا داود عن عكرمة بن عمار فقال: «ثقة» وقال: «في حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب كان أحمد بن حنبل يقدم عليه ملازم بن عمرو».

وقال في موضع آخر: سألت أبا داود عن أصحاب يحيى بن أبي كثير، أعني: من أعلاهم في يحيى؟ فقال: هشام الدستوائي والأوزاعي. قلت: ومعمر؟ قال: لا. قلت: عكرمة بن عمار؟ قال: عكرمة مضطرب الـحديث.

فالـمصنف لم يطلق الضعف عليه بل قيده بالاضطراب في حديثه عن يحيى بن أبي كثير، ولم ترد هذه الجملة في «العون». وكذا تكلم الأئمة أحمد وابن المديني والبخاري وأبو حاتم والنسائي في حديث عكرمة بن عمار عن ابن أبي كثير.

______________________________________________
(1) وفي بعض النسخ بدله «عند الحاجة».


(2) من طبعة الشيخ محمد عوامة وطبعة الـمعارف بتحقيق الشيخ مشهور آل سلمـان.
(3) من طبعة الشيخ محمد عوامة وطبعة الشيخ مشهور آل سلمـان. وجاء في طبعة الشيخ عصام موسى هادي ونسخة عند الشيخ حسيـن بن مـحسن الأنصاري: «إلا عكرمة، قال أبو سلمة: حدثنا أبان قال يحيى بهذا، يعني: حديث عكرمة». وجاء في «تحفة الأشراف» (4397): «قال أبو داود: هذا لم يسنده إلا عكرمة بن عمار، وهو مرسل عندهم، ثنا أبو سلمة، ثنا أبان، عن يحيى بن أبي كثير عن النبي ﷺ نحو حديث عكرمة»، قال المزي: «كلام أبي داود على هذا الحديث في رواية أبي عمرو أحمد بن علي البصـري، وأبي سعيد بن الأعرابي، عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم».

عبد الله أم عبيد الله؟



جاء في مسند الإمام الحميدي (652:289/2 (الأعظمي) 667:532/1 (حسين سليم أسد)): ثنا سفيان، قال: ثنا عبد الله بن عمر منذ أكثر من سبعين سنة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: جاء عمر إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله! إني أصبت مالاً لم أصب قط مثله، تخلصت المائة سهم التي بخيبر، وإني قد أردت أن أتقرب بها إلى الله، فقال النبي ﷺ: «يا عمر، احبس الأصل، وسبّل الثمرة».

قال الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي: كذا في الأصل وكذا في (نسخة الظاهرية) والصواب عندي «عبيد الله» مصغراً، فقد أخرجه النسائي من طريقين عن سفيان عن عبيد الله (ج 2 ص 108).

وأثبت الشيخ حسين سليم أسد الدارانـي «عبيد الله» مصغرا في المتن وقال: في (نسخة الظاهرية) «عبد الله» مكبراً وهو تحريف.


وهذا الحديث أخرجه الإمام الشافعي في «الأم» (1714:107/5)، والبيهقي من طريقه في «السنن الصغرى» (558/1)، وفي «الكبرى» من طريق الحميدي (162/6) وفي كلها «عبد الله» مكبراً.

وأخرجه النسائي في «المجتبى» (الطبعة الهندية القديمة: 126/2 والطبعة الهندية الكاندهلوية 108/2، والعربية بتحقيق الشيخ أبوغدة 2603 و2604) و«الكبرى» (4/94) وابن ماجه (2397:173) ووقع عندهم «عبيد الله» مصغراً، وكذا وقع في  مصغراً في «مسند الشافعي بترتيب السندي» (138/2).

قال محمد بن أبي عمر العدني (شيخ ابن ماجه): فوجدتُ هذا الحديث في موضع آخر في كتابي عن سفيان عن عبد الله (مصغراً) عن نافع عن ابن عمر، اهـ.

فكلاهـما، عبد الله وعبيد الله العمريان يرويان عن نافع، ويمكن أن يكونا صحيحين ولا وجه لترجيح عبيد الله على عبد الله مكبراً لما جاء من طريق المصنف عند البيهقي، والله أعلم.

Saturday 19 September 2015

مرة أو مزة؟ كلمة في نسخ سنن الإمام أبي داود



46 - باب مسيرة ما يُفطَر فيه


قال الإمام أبو داود رحمه الله:
2413 - حدَّثنا عيسى بنُ حمّاد، أخبرنا الليثُ -يعني ابنَ سعْد- عن يزيدَ ابن أبي حبيب، عن أبي الخير عن منصورٍ الكلبيِّ أن دِحْيَةَ بنَ خليفه خَرَجَ مِنْ قريةٍ من دمشقَ مرةً إلى قَدْرِ قريةِ عَقَبة من الفُسطاط، وذلك ثلاثةُ أميال، في رمضان ثم إنه أفْطَرَ وأفْطَرَ معه ناس، وكرهَ آخرون أن يُفطِروا، فلما رَجَعَ إلى قريتِه قال: والله لَقَدْ رأيتُ اليومَ أمراً ما كنتُ أظن أني أراه، إن قَوْماً رَغِبُوا عن هَدْي رسولِ الله  وأصحابه، يقولُ ذلك لِلذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهمَّ اقبضْني إليك.

(عن منصور الكلبي) هو منصور بن سَعِيد بن الأصبغ، ويُقال: منصور ابن زيد، الكلبي الـمصري.

(من قرية) وفي بعض النسخ: «قريته»، وعلّق عليه في نسخة الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم ابن الفرس: «اسم القرية مزة قاله ابن الأعرابي».

(من دمشق مرةً) كذا في نسخ السنن المطبوعة التي بين أيدينا بالراء الـمهملة، وكذا جاء في مخطوط جامعة برنستون وعليه علامة (صح) بالقلم الأحمر، لكن جاء في هامشه: «مِزّةَ لأحمد بن سعيد عن ابن الأعرابي» كما في الصورة المرفقة، وفي هامش مخطوطة أندلسية كتبت سنة أربع عشر وست مائة، وجاء في متن نسخة الحافظ ابن الفرس: «مِزّةَ» وعليه علامة (صح)، وفي «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسـي (ص 1222) بالزاي، قال: «(مزة) ... قرية من قرى دمشق، وروى أبو داود أنّ دحية الكلبي رضي الله عنه خرج في رمضان من مزة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال، فأفطر»، فيظهر لي أن هذا هو الصواب إذ الصحابي دحية الكلبي رضي الله عنه سكن المزة بعد النبي  وبها قبـره اليوم كما في كتب التراجم والجغرافيا، مثل «سير أعلام النبلاء» (551/2)، و«معجم البلدان» (122/5) وغيرهما، وروى ابن خزيمة هذا الحديث في «صحيحه» (2041)، والطبراني في «الكبير» (4197)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» في ترجمته (2576)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» في ترجـمة (منصور بن سعيد بن الأصبغ) (316/60)، والمزي -وهو من هذه القرية- في «تهذيب الكمال» في ترجمة (منصور) (529/28) من طريق الليث بن سعد عنه به، وفي روايتهم «مزة» بالزاي، قال د. بشار عواد معروف في حاشية «تهذيب الكمال» عن رواية أبـي داود: «وقع في النص إشكال كبيـر غيّـر المعنى وبدله، ففيه: «خرج من قريته من دمشق مرة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال» فتصحّفت فيه «المزة» إلى «المرة»، والله أعلم».


(من الفسطاط) قال د. بشار:«ثم فيه: «من الفسطاط» ولعلها أُدرجت من بعض النساخ، وإلا فكيف يكون بيـن دمشق والفسطاط (القاهرة، مصـر) ثلاثة أميال، تأمل ذلك».

ويمكن أن تكون هذه الكلمة فلعلها تفسيـر من منصور الكلبي المصري للسامعيـن المصريين ولإفهامهم وبيان مقدار السفر، فجاء في رواية ابن خزيمة: «خرج من قريته بدمشق المزة إلى قدر قرية عقبة بن عامر» فتعين أن المراد بقرية عقبة هو قرية عقبة بن عامر، وفي ترجمة (عقبة بن عامر رضي الله عنه) في «تاريخ ابن يونس» (346/1): «صحابـي، روى عن رسول الله  كثيراً، وشهد فتح مصر، واختط بها داراً. وكتب إلى معاوية رضي الله عنه يسأله أرضاً عند قرية عقبة، فكتب له معاوية بألف ذراع فى ألف ذراع. وهذه الأرض التى اقتطعها عقبة هى المنية المعروفة بمنية عقبة في جيزة فسطاط مصر». ومنية عقبة تحرفت اسمها اليوم إلـى مِيْتْ عُقبة، وتقع في محافظة الجيزة، والفسطاط تقع في مدينة القاهرة، وهي مشهور أيضاً بمصر القديمة، والمسافة بينهما 7-8 كيلو متر، وثلاثة أميال هاشمية تساوي 5.5 كيلو متر تقريباً، والتوفيق بينهما أنّ هذه مقايسة تقديرية من الراوي وأنّ بينهمـا النيل، والله أعلم.

وجاء في «السنن الكبرى» للبيهقي (241/4) بعد هذه الرواية: «قال الليث: الأمر الذي اجتمع الناس عليه أن لا يقصـروا الصلاة ولا يفطروا إلا في مسيرة أربعة برد، في كل بريد اثنا عشر ميلاً. قال البيهقي: والذي روينا عن دحية الكلبي - إن صح ذلك - فكأنه ذهب فيه إلـى ظاهر الآية في الرخصة في السفر، وأراد بقوله: رغبوا عن هدي رسول الله ﷺ وأصحابه، أي في قبول الرخصة، لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه، والله أعلم.