Saturday 19 September 2015

مرة أو مزة؟ كلمة في نسخ سنن الإمام أبي داود



46 - باب مسيرة ما يُفطَر فيه


قال الإمام أبو داود رحمه الله:
2413 - حدَّثنا عيسى بنُ حمّاد، أخبرنا الليثُ -يعني ابنَ سعْد- عن يزيدَ ابن أبي حبيب، عن أبي الخير عن منصورٍ الكلبيِّ أن دِحْيَةَ بنَ خليفه خَرَجَ مِنْ قريةٍ من دمشقَ مرةً إلى قَدْرِ قريةِ عَقَبة من الفُسطاط، وذلك ثلاثةُ أميال، في رمضان ثم إنه أفْطَرَ وأفْطَرَ معه ناس، وكرهَ آخرون أن يُفطِروا، فلما رَجَعَ إلى قريتِه قال: والله لَقَدْ رأيتُ اليومَ أمراً ما كنتُ أظن أني أراه، إن قَوْماً رَغِبُوا عن هَدْي رسولِ الله  وأصحابه، يقولُ ذلك لِلذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهمَّ اقبضْني إليك.

(عن منصور الكلبي) هو منصور بن سَعِيد بن الأصبغ، ويُقال: منصور ابن زيد، الكلبي الـمصري.

(من قرية) وفي بعض النسخ: «قريته»، وعلّق عليه في نسخة الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم ابن الفرس: «اسم القرية مزة قاله ابن الأعرابي».

(من دمشق مرةً) كذا في نسخ السنن المطبوعة التي بين أيدينا بالراء الـمهملة، وكذا جاء في مخطوط جامعة برنستون وعليه علامة (صح) بالقلم الأحمر، لكن جاء في هامشه: «مِزّةَ لأحمد بن سعيد عن ابن الأعرابي» كما في الصورة المرفقة، وفي هامش مخطوطة أندلسية كتبت سنة أربع عشر وست مائة، وجاء في متن نسخة الحافظ ابن الفرس: «مِزّةَ» وعليه علامة (صح)، وفي «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسـي (ص 1222) بالزاي، قال: «(مزة) ... قرية من قرى دمشق، وروى أبو داود أنّ دحية الكلبي رضي الله عنه خرج في رمضان من مزة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال، فأفطر»، فيظهر لي أن هذا هو الصواب إذ الصحابي دحية الكلبي رضي الله عنه سكن المزة بعد النبي  وبها قبـره اليوم كما في كتب التراجم والجغرافيا، مثل «سير أعلام النبلاء» (551/2)، و«معجم البلدان» (122/5) وغيرهما، وروى ابن خزيمة هذا الحديث في «صحيحه» (2041)، والطبراني في «الكبير» (4197)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» في ترجمته (2576)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» في ترجـمة (منصور بن سعيد بن الأصبغ) (316/60)، والمزي -وهو من هذه القرية- في «تهذيب الكمال» في ترجمة (منصور) (529/28) من طريق الليث بن سعد عنه به، وفي روايتهم «مزة» بالزاي، قال د. بشار عواد معروف في حاشية «تهذيب الكمال» عن رواية أبـي داود: «وقع في النص إشكال كبيـر غيّـر المعنى وبدله، ففيه: «خرج من قريته من دمشق مرة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال» فتصحّفت فيه «المزة» إلى «المرة»، والله أعلم».


(من الفسطاط) قال د. بشار:«ثم فيه: «من الفسطاط» ولعلها أُدرجت من بعض النساخ، وإلا فكيف يكون بيـن دمشق والفسطاط (القاهرة، مصـر) ثلاثة أميال، تأمل ذلك».

ويمكن أن تكون هذه الكلمة فلعلها تفسيـر من منصور الكلبي المصري للسامعيـن المصريين ولإفهامهم وبيان مقدار السفر، فجاء في رواية ابن خزيمة: «خرج من قريته بدمشق المزة إلى قدر قرية عقبة بن عامر» فتعين أن المراد بقرية عقبة هو قرية عقبة بن عامر، وفي ترجمة (عقبة بن عامر رضي الله عنه) في «تاريخ ابن يونس» (346/1): «صحابـي، روى عن رسول الله  كثيراً، وشهد فتح مصر، واختط بها داراً. وكتب إلى معاوية رضي الله عنه يسأله أرضاً عند قرية عقبة، فكتب له معاوية بألف ذراع فى ألف ذراع. وهذه الأرض التى اقتطعها عقبة هى المنية المعروفة بمنية عقبة في جيزة فسطاط مصر». ومنية عقبة تحرفت اسمها اليوم إلـى مِيْتْ عُقبة، وتقع في محافظة الجيزة، والفسطاط تقع في مدينة القاهرة، وهي مشهور أيضاً بمصر القديمة، والمسافة بينهما 7-8 كيلو متر، وثلاثة أميال هاشمية تساوي 5.5 كيلو متر تقريباً، والتوفيق بينهما أنّ هذه مقايسة تقديرية من الراوي وأنّ بينهمـا النيل، والله أعلم.

وجاء في «السنن الكبرى» للبيهقي (241/4) بعد هذه الرواية: «قال الليث: الأمر الذي اجتمع الناس عليه أن لا يقصـروا الصلاة ولا يفطروا إلا في مسيرة أربعة برد، في كل بريد اثنا عشر ميلاً. قال البيهقي: والذي روينا عن دحية الكلبي - إن صح ذلك - فكأنه ذهب فيه إلـى ظاهر الآية في الرخصة في السفر، وأراد بقوله: رغبوا عن هدي رسول الله ﷺ وأصحابه، أي في قبول الرخصة، لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه، والله أعلم.

No comments:

Post a Comment